ممتصّو الطاقة: بين السلبية النفسية والأبعاد الروحية

ممتصّو الطاقة: بين السلبية النفسية والأبعاد الروحية


المرءُ على دينِ خليلِه، فلينظر أحدكم مَن يُخالِل.”
– حديث نبوي شريف
في كل بيئة، سواءً كانت منزلية أو تعليمية أو مهنية، هناك أشخاص لديهم قدرة عجيبة على امتصاص طاقتك النفسية والمعنوية. تشعر بعد محادثتهم بالتعب، أو بعد مجالستهم بالحزن والقلق، رغم أنك دخلت إليهم بروح عالية. هؤلاء هم ما يُطلق عليهم مجازًا: “ممتصو الطاقة”.

في عالم تسوده التفاعلات الإنسانية المعقدة، يبرز نوع من الأشخاص يُطلق عليهم “ممتصّو الطاقة”، وهم أولئك الذين يستنزفون طاقات الآخرين العاطفية أو النفسية، سواء بقصد أو دون وعي. هؤلاء يشبهون “مصّاصي الطاقة” الذين يتركون من حولهم منهكين، وقد تختلف تفسيرات وجودهم بين علم النفس والأديان وحتى العلوم الروحية. فمن هم؟ وكيف نتعامل معهم من مختلف الزوايا؟

1. الجانب النفسي والعملي: من هم ممتصّو الطاقة؟

ممتصو الطاقة: كيف يؤثرون علينا؟

هم الأشخاص الذين يحملون طاقة سلبية، ويُسقِطونها على من حولهم بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، ومن أمثلتهم:

كثيرو الشكوى والنقد.
من يعيشون دور الضحية دائمًا.
المتشائمون الذين يستهينون بكل نجاح.
الأشخاص الذين يُبالغون في نقل الأخبار السيئة.
من يستهلكونك بطلبات ودراما دون تقدير.
قد لا يكونون أعداء، بل أحيانًا أصدقاء أو أفرادًا من العائلة.

كيف نظر الإسلام لهذا السلوك؟

الإسلام دين يحث على الصحبة الصالحة، وعلى حماية النفس من الأذى النفسي والمعنوي، ومن ذلك:

قال ﷺ: “لا تصاحب إلا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلا تقي.”
وقال الله تعالى: “فاصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعدُ عيناك عنهم…” [الكهف: 28]
والمعنى أن الصحبة الصالحة تحفظ الروح وتُزكّي النفس، بينما مصاحبة أهل الغفلة تؤدي لتسرب السلبية والكسل وفقدان التوازن الروحي.
كما أن من مقاصد الإسلام حفظ النفس والعقل، وهذان يتأثران سلبًا بمن يستنزفك بالكلام والطاقة دون فائدة.

أ. السمات النفسية

التشاؤم الدائم: يركزون على السلبيات وينشرون الإحباط،  تشعر بالإجهاد وكأنك خضت معركة رغم أنك لم تفعل شيئًا.
الحديث السلبي: يشتكون باستمرار دون تقديم حلول، ويشعرونك بالذنب  لأنك لا تستطيع إنقاذهم أو إرضاءهم.
الاستهلاك العاطفي: يستخدمون مشاعر الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية، تدور في رأسك كلماتهم وتعليقاتهم فتُشتّت تركيزك.
النرجسية: يَجذبون الانتباه ويرفضون السماح للآخرين بالتعبير عن أنفسهم،  لأنهم غالبًا يُقلّلون من شأنك أو يشككون في قدراتك.

علم النفس يصنف هذا النوع من الناس تحت ما يُعرف بـ“السُمّية النفسية”، وتُوصى بضرورة وضع حدود واضحة معهم
ب. التأثير على المحيطين

الإرهاق النفسي: يشعر الشخص المُستهدف بالضغط بعد كل تفاعل معهم.
تراجع الإنتاجية: يؤثرون سلبًا على الحماس والإبداع.
انتقال السلبية: تنتقل عدوى التشاؤم كما تنتقل الأمراض!

ج. كيف نتعامل معهم عمليًا؟

وضع الحدود: تحديد الوقت المسموح للتفاعل معهم.
عدم الانجرار وراء السلبية: تجنب الدخول في نقاشات مُجهدة.
تعزيز الطاقة الإيجابية: التركيز على الأهداف والمشاعر الإيجابية.
الابتعاد عند الضرورة: قد يكون الحل الأمثل هو تقليل التواصل.

2. البُعد الديني: نظرة الأديان إلى “مصّاصي الطاقة”

أ. في الإسلام: الحسد والعين

يُعتبر الحسد (أو العين) من أشكال امتصاص الطاقة السلبية، حيث يقول الله تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} (سورة الفلق: 5).
النهي عن إيذاء الآخرين نفسيًا: قال النبي ﷺ: “لا يحقرن أحدكم نفسه”، مؤكدًا على أهمية احترام مشاعر الآخرين.

العلاج الشرعي:

قراءة القرآن (خاصة سورة الفلق والناس).
الدعاء بالحفظ من الشرور: “أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق”.
الإكثار من الذكر (كالتحصين بأذكار الصباح والمساء).

ب. في الاديان غير الاسلام: الحماية من الروحيات السلبية

تحذر المسيحية من “الخطيئة الروحية” التي تُضعف العلاقة مع الله، مثل الغضب أو الحقد.
تُشجع على التعامل بالحب: “أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم” (متى 5: 44).
استخدام الصلاة كدرع: “لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء” (فيلبي 4: 6).

تؤمن هذه الديانات بأن الأجساد تحيط بها هالة طاقة (أورا)، وممتصّو الطاقة قد يخترقونها.

التأمل: وسيلة لتنقية الطاقة وتجنب التأثر بالسلبيات.
الكارما: التعامل السلبي مع الآخرين يعود بالضرر على صاحبه.

3. الزاوية الروحية والعلمية: هل الامتصاص حقيقة؟

أ. العلوم الروحية

الهالة الطاقية: يعتقد البعض أن لكل شخص مجالًا طاقيًا، وممتصّو الطاقة يخلون توازنه.
الكريستالات والأحجار: يستخدمها البعض لصد الطاقة السلبية (مثل حجر الكوارتز).

ب. العلم الحديث

التأثير العاطفي المتبادل: تُظهر دراسات أن المشاعر السلبية معدية عبر “الخلايا العصبية المرآتية”.
الإجهاد النفسي: التعامل مع السلبيين يرفع مستويات الكورتيزول (هرمون التوتر).


 كيف نعرف أننا تأثرنا بممتص للطاقة؟

تغير مفاجئ في المزاج بعد لقائهم.
شعور بالانزعاج من دون سبب واضح.
الرغبة في العزلة بعد محادثة طويلة معهم.
شعور بالذنب أو عدم الكفاية.

 كيف نحمي أنفسنا عمليًا؟

النية والذكر قبل اللقاء: قل: “اللهم احفظني من كل مؤذٍ، ظاهره أو باطنه.”
حدود واضحة: تعلم أن تقول “لا” بأدب. ليس من واجبك إنقاذ الجميع.
لا تكن مكبًّا للمشاكل: كن مستمعًا لا مستوعبًا.
تفريغ المشاعر بعدها: مارس المشي، أو الصلاة، أو التأمل.
قلّل التفاعل الرقمي معهم: حتى لو عبر الرسائل، الطاقة السلبية تُنقل.
أحط نفسك بناس يمنحونك طاقة نور لا طاقة شوك.

 هل يمكن أن نكون نحن أحيانًا ممتصي طاقة؟

للأسف، نعم.

حين نبالغ في الشكوى، أو نحبط الآخرين بكلامنا، أو نظن أن الكون مسؤول عن آلامنا فقط، نتحول دون قصد إلى ممتصي طاقة. لذلك وجب علينا مراجعة أنفسنا، واستبدال الكلمات السلبية بدعاء أو تفاؤل أو صمت إن لم نستطع غيره.


4. كيف نحمي أنفسنا بشكل شمولي؟

أ. وقاية نفسية

تعزيز الثقة بالنفس.
ممارسة الهوايات التي تُشعرك بالانتعاش.

ب. وقاية دينية

المواظبة على الأذكار والأدعية.
تجنب الأماكن أو الأشخاص المليئين بالطاقة السلبية.

ج. وقاية اجتماعية

بناء علاقات مع أشخاص إيجابيين.
تعلم قول “لا” عند الشعور بالاستنزاف.

الخاتمة

كن شمسًا لا ظلًّا
أنت تختار أي نوع من الأشخاص تكون:
هل أنت من يرفع الطاقة حوله؟ أم ممن يُثقل الأرواح؟

الفكرة هي: الطاقة تنتقل.
سواء بالكلمة، أو النظرة، أو حتى النية.
فكن من الذين إذا جالستهم ارتاحت القلوب، لا من الذين إذا حضروا ضاق المكان واتسخ المزاج.

ابدأ يومك بدعاء:
“اللهم اجعلني نورًا لمن حولي، ولا تجعلني عبئًا على أحد.”

ممتصّو الطاقة ليسوا مجرد أشخاص سلبيين، بل ظاهرة معقدة تجمع بين النفسي والروحي. الفهم الصحيح لطبيعتهم، والوعي بآليات التعامل معهم، يمكن أن يحولنا من ضحايا لسلبية الآخرين إلى أفراد قادرين على حماية طاقتهم وإشاعة النور من حولهم. كما قال الإمام الشافعي: “ودعْ بالأذى ليُرْضَى مَن تُسَاخِطُه .. فليسَ على وجهِ الأرضِ مَرْضِيُّ مخلوق”. فالحل الأمثل هو التوازن بين الحكمة في التعامل، والرحمة في النية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *