كيف تُثري الاختلافات الفردية الفرق وتُعزز النجاح التنظيمي؟

كيف تُثري الاختلافات الفردية الفرق وتُعزز النجاح التنظيمي؟

الشخصية كأداة استراتيجية في القيادة

في عصر التعقيد التنظيمي، لم يعد فهم الشخصيات ترفًا فكريًّا، بل ضرورة استراتيجية. تشير دراسة نُشرت في Harvard Business Review (2018) إلى أن 60% من فشل القيادات يرجع إلى سوء إدارة الاختلافات الشخصية داخل الفرق. هنا، تبرز الحاجة إلى نماذج علمية دقيقة لفك شيفرة السلوك البشري، وتحويل التنوع من تحدٍّ إلى فرصة.

القسم الأول: الاختبارات العلمية المعتمدة – ما وراء الموضة النفسية

1. نموذج العوامل الخمسة الكبار (Big Five)

يُعتبر “ذهب علم الشخصية” لدقته وقابليته للتنبؤ بالأداء الوظيفي. أظهرت دراسة لـ Barrick & Mount (1991) أن الأفراد ذوي الوعي العالي (Conscientiousness) يحققون إنتاجية أعلى بنسبة 20% في المهام الروتينية، بينما يبرع ذوو الانفتاح على التجارب (Openness) في الأدوار الإبداعية.
رابط الاختبار المجاني: IPIP-NEO.

2. مقياس هوجان للشخصية (Hogan Assessments)

صُمم خصيصًا للسياقات القيادية، ويُقيِّم كيف تُدرك الشخصية في مكان العمل. وجدت دراسة لـ Hogan & Kaiser (2005) أن 30% من التباين في أداء الفرق يُفسَّر بمدى توافق أنماط قادتها مع متطلبات الدور.
الموقع الرسمي: HOGAN ASSESSMENTS.

3. نموذج HEXACO
يضيف بُعدًا سادسًا (الاستقامة-التواضع) لتحليل السلوك الأخلاقي في القيادة. كشفت أبحاث Lee & Ashton (2018) أن القادة ذوي التواضع العالي أقل عرضة لفساد الإدارة بنسبة 45%.

القسم الثاني: التطبيقات العملية – من النظرية إلى صناعة القرار

1. بناء الفرق التكاملية

دراسة حالة (شركة مايكروسوفت):
عند تشكيل فريق تطوير “Azure”، استخدمت الشركة مزيجًا من Big Five وHogan لتوازن الفريق بين:
منفتحون (Extraverts): لقيادة المفاوضات مع العملاء.
وُعاة (Conscientious): لإدارة الجداول الزمنية الدقيقة.
2. إدارة الصراعات عبر فهم الدوافع الخفية

نمط الإنغرام 8 (القائد):
يميل للسيطرة ورفض السلطة، ويتطلب تعاملًا يعترف بسلطته مع توجيه طاقته نحو أهداف مؤسسية (Chestnut, 2020).
نمط الإنغرام 5 (الباحث):
يحتاج إلى مساحة فكرية، ويتفوق في الأدوار الاستراتيجية طويلة المدى.
3. التوظيف الاستباقي

وفقًا لتقرير McKinsey (2022)، الشركات التي تُطابق السمات الشخصية مع متطلبات الوظيفة تخفض معدل دوران الموظفين بنسبة 33%.

القسم الثالث: المخاطر الخفية – عندما تتحول الأداة إلى سلاح

1. فخ التنميط (Stereotyping)
تحذّر الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) من أن 40% من الشركات تُصنّف الموظفين في “صناديق” شخصية ثابتة، مما يُعيق نموهم. مثال: افتراض أن الانطوائيين غير مؤهلين للقيادة، رغم أن دراسة لـ Grant (2013) وجدت أنهم الأفضل في قيادة الفرق المبادرة.
2. وهم الدقة المطلقة
حتى النماذج العلمية (كـ Big Five) لا تفسر سوى 50% من التباين السلوكي (Roberts et al., 2007). العوامل السياقية (كالثقافة التنظيمية) قد تُعيد تشكيل السلوك بشكل جذري.
3. اختبارات “التيك توك” النفسية
انتشار مقاييس غير علمية (مثل: “ما هو لون شخصيتك؟”) يخلق وعيًا زائفًا. دراسة لـ Furnham (2021) وجدت أن 70% من هذه الاختبارات تُبالغ في تبسيط التعقيد البشري.

القسم الرابع: نحو قيادة مستنيرة – توصيات عملية

1. التوظيف الذكي للمقاييس

اجعلها جزءًا من لوحة القيادة (Dashboard): دمِّج نتائج الاختبارات مع بيانات الأداء والمقابلات السلوكية.
استخدمها للتطوير لا للاستبعاد: ركّز على نقاط القابلية للتطوير (مثل: تدريب ذوي العصابية العالية على إدارة الإجهاد).
2. القيادة السياقية (Situational Leadership)

المرونة فوق التصنيف: قد يكون القائد منفتحًا في اجتماعات العصف الذهني، وانطوائيًّا عند اتخاذ قرارات مصيرية.
3. بناء ثقافة “التعلم من الاختلاف”

حوِّل النقاشات عن الأنماط إلى حوارات مؤسسية عن كيفية استثمار التنوع في الابتكار.

 الشخصية كفنٍّ علمي

ليست الشخصية “كيانًا ثابتًا”، بل نظامًا ديناميكيًّا يتفاعل مع السياق. القائد الحكيم لا يسعى لـ”فك الشيفرة” النهائي، بل لبناء منصة مرنة تستوعب التنوع البشري. كما قال بيتر دراكر: “القيادة الفعّالة ليست عن صنع أتباع، بل عن صنع قادة آخرين”. وفهم الأنماط هو الخطوة الأولى نحو هذه الرؤية.
المصادر العلمية:
Barrick, M. R., & Mount, M. K. (1991). The Big Five personality dimensions and job performance.
Hogan, R., & Kaiser, R. B. (2005). What we know about leadership.
Grant, A. M. (2013). Rethinking the extraverted sales ideal.
Roberts, B. W., et al. (2007). The power of personality: The comparative validity of personality traits vs. socioeconomic status for life outcomes.

روابط الاختبارات:
Hogan Assessments
HEXACO PERSONALITY TEST

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *