على مدار مسيرتي المهنية، مررت بتجارب متعددة في الإشراف التربوي والتقييم، حيث أتيحت لي الفرصة للعمل كمشرفة ومقيّمة لأعمال مديرات المدارس الأهلية، ثم الانتقال إلى لجان التشكيلات المدرسية والإشرافية، وأخيرًا التفاعل المباشر مع مديرات المدارس أثناء زياراتي لمعلمات التخصص. من خلال هذه التجارب، اكتسبت رؤية أوسع للتحديات التي تواجه القادة التربويين، وأدركت أن نجاح الإشراف لا يعتمد فقط على المعرفة الأكاديمية، بل على فهم الشخصيات والتعامل بمرونة مع مختلف الأنماط.
التجربة الأولى: التقييم والإشراف على مديرات المدارس الأهلية
في بداية عملي كمشرفة ومقيّمة لأعمال مديرات المدارس الأهلية، واجهت العديد من التحديات، حيث كان لكل مديرة أسلوب إداري مختلف وطريقة خاصة في إدارة المدرسة. كان البعض يؤمن بالعمل الجماعي ويشجع الابتكار، بينما كان البعض الآخر يعتمد على المركزية واتخاذ القرارات بشكل فردي.
من خلال هذه التجربة، أدركت أن التقييم لا يقتصر على مراجعة التقارير والوثائق، بل يتطلب قراءة ما بين السطور، وفهم كيفية إدارة المديرة لفريقها، وتفاعلها مع المعلمات، ومستوى رضا أولياء الأمور والطلاب. تعلمت أن التعامل بمرونة مع اختلاف الأساليب الإدارية، مع تقديم التوجيه والدعم، يساعد في تحسين الأداء بدلًا من الاكتفاء بالملاحظات النقدية فقط.
العمل في لجان التشكيلات المدرسية والإشرافية
بعد ذلك، انتقلت للعمل ضمن لجان التشكيلات المدرسية والإشرافية، حيث أصبحت أكثر وعيًا بأهمية توزيع الأدوار بشكل استراتيجي داخل المدارس لضمان تحقيق الأهداف التعليمية بكفاءة. كان العمل في هذه اللجان يتطلب:
– تحليل احتياجات المدارس وفقًا لمعايير الأداء والجودة.
– اختيار الكوادر التربوية بناءً على الكفاءة والتخصص.
– وضع معايير للتقييم لضمان تحقيق العدالة والإنصاف في توزيع المهام الإشرافية.
كان التحدي الأكبر هنا هو تحقيق التوازن بين متطلبات المدارس وظروف الكوادر التعليمية، فقد كان البعض يسعى للحصول على أدوار إشرافية دون أن يكون لديه الكفاءة الكافية، بينما كان البعض الآخر يمتلك القدرة لكنه يفتقر إلى الثقة بالنفس. تعلمت من هذه التجربة أن التواصل الفعّال والشفافية في اتخاذ القرارات يساعدان في تقليل النزاعات وتحقيق بيئة عمل أكثر انسجامًا.
التفاعل مع مديرات المدارس أثناء زيارات معلمات التخصص
عند انتقالي إلى الإشراف الميداني وزيارة معلمات التخصص في المدارس المختلفة، وجدت نفسي أتعامل بشكل مباشر مع مديرات المدارس، حيث كان لكل مديرة نهجها الخاص في التعاون والتفاعل مع المشرفين.
– بعض المديرات كنّ منفتحات على التطوير، ويرحبن بالملاحظات والاقتراحات، مما جعل الزيارات التوجيهية أكثر إنتاجية.
– البعض الآخر كنّ متحفظات أو يشعرن بالتحدي عند تقديم الملاحظات، مما تطلب مني اتباع أسلوب دبلوماسي لتوضيح أهمية التطوير دون أن يشعرن بأنه انتقاد مباشر لأسلوبهن.
– آخرون كانوا يفضلون الحلول السريعة بدلًا من التغييرات العميقة، وهنا كان التحدي في إقناعهن بأهمية التغيير التدريجي المدروس.
من خلال هذه المرحلة، تعلمت أن المشرف التربوي الناجح ليس من يفرض رأيه، بل من يستطيع إقناع الآخرين بالتغيير بطريقة سلسة ومقنعة، مع القدرة على فهم شخصيات المديرين والمعلمين والتكيف مع أساليبهم المختلفة.
فهم الشخصيات والأنماط المختلفة في العمل التربوي
بعد هذه التجارب المتعددة، أدركت أن النجاح في الإشراف والتقييم لا يعتمد فقط على المعرفة التربوية، بل على فهم الشخصيات والتكيف مع أساليب العمل المختلفة. من بين الشخصيات التي تعاملت معها:
– الشخصية القيادية الصارمة: تحتاج إلى التواصل الواضح والمباشر، وإظهار الجوانب الإيجابية قبل تقديم أي نقد.
– الشخصية المتعاونة والمنفتحة: يسهل التعامل معها من خلال النقاش المشترك وتقديم حلول مبتكرة.
– الشخصية الحذرة أو المترددة: تحتاج إلى طمأنتها وتقديم أدلة واضحة لدعم أي مقترح تطويري.
– الشخصية المقاومة للتغيير: من الأفضل التعامل معها من خلال التدرج في التوجيه والتركيز على الفوائد المباشرة.
الدرس المستفاد: التواصل الفعّال هو مفتاح النجاح
في نهاية هذه الرحلة المهنية، تعلمت أن التقييم والإشراف لا يتعلقان فقط بإعطاء التوجيهات أو مراجعة التقارير، بل يعتمد الأمر على بناء علاقات قوية مع المديرين والمعلمين. عندما نبدأ بفهم أنماط الشخصيات المختلفة، ونبحث عن طرق للتواصل معها بفعالية، نصبح قادرين على إحداث تغييرات إيجابية دون خلق توتر أو صراع.
التحدي الأكبر في بيئة العمل التربوي ليس الاختلاف بين الأشخاص، بل كيفية فهم هذه الاختلافات وتحويلها إلى نقاط قوة تدعم التطوير والنجاح الجماعي.